الصحافة

“الحزب” إذ ينتحر عند صخرة الرّوشة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إعلان “الحزب” عزمه على عرض صورتَيْ أمينَيه العامَّين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين، على صخرة الروشة في بيروت، بمناسبة الذكرى الأولى لاغتيال نصرالله، والذي قوبل باعتراضات واسعة، يكشف مأزق “الحزب”، بين طبيعته الإقليميّة المتجاوزة للهويّة اللبنانيّة وحاجته اليوم إلى التلاعب بهذه الهويّة التي لطالما تعارض معها.

تجاوزت صخرة الروشة كونها تكويناً طبيعيّاً يزيّن واجهة بيروت البحريّة، لتصير صورة مركّبة جمعت الرمز الاقتصاديّ بالفنّي والسياحيّ. حضرت في الأغنية والفيلم والمسرح والذاكرة الجماعيّة. ظهرت على العملة اللبنانية من فئة العشر ليرات في الثمانينيّات، ثمّ على فئة المئة ألف عام 2020 احتفاءً بمئويّة لبنان الكبير.

في ذروة خمسينيّات وستّينيّات القرن الماضي، صارت الروشة كنايةً عن تحوّلات لبنان الاقتصاديّة والخدميّة، حين نهضت حولها منطقة فخمة تحتضن الفنادق الكبرى والمطاعم والمقاهي التي جذبت الأثرياء والفنّانين العرب. قبالتها، غنّى عبدالحليم حافظ “جانا الهوى جانا” بجوار ناديا لطفي، في مشهد الختام في فيلم “أبي فوق الشجرة”، بالإضافة إلى عشرات الأغنيات التي خصّت الروشة بالذكر، والأفلام التي وظّفتها كموقع تصوير مليء بالمعاني والإسقاطات.

محت الحرب الأهليّة الكثير من معاني الروشة في سياق محوها أيقونات لبنان المتعدّدة الأبعاد، والتي تختزل الجمال الطبيعيّ، وتاريخ البلد، ووجهه الثقافي. لكنّ موقع الصخرة ظلّ عصيّاً في الذاكرة الجماعيّة، كعلَم يجسّد لبناناً متخيّلاً ومشتهى، و”مقدّساً مدنيّاً” للّبنانيين، يثير انتهاكه رفضاً جماعيّاً يتجاوز الانقسامات.

فرض الهيمنة الأيديولوجيّة

عُدَّ التوجّه لإضاءة الصخرة بصورتَي الأمينّين العامَّين، محاولة واعية لإعادة تعريف الهويّة الوطنيّة اللبنانية وفرض هيمنة أيديولوجيّة خاصّة على فضاء بيروتيّ عامّ، يشكّل عمليّاً النقيض الموضوعيّ للبنان “الحزب”. كما يُفهم هذا التوجّه كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة بناء هيبة “الحزب” المفقودة والتعامل مع الأزمة الوجوديّة التي يواجهها بعد الهزيمة الساحقة التي تلقّاها في حرب 2024، والتي شملت مقتل قياداته الرئيسيّة وتدمير بنيته العسكريّة.

“الحزب” ليس أوّل أو آخِر الجماعات السياسيّة التي تلجأ، عندما تفقد قوّتها الفعليّة على الأرض، إلى المعارك الرمزيّة كوسيلة لتأكيد استمراريّتها وحيويّتها، ولصرف الانتباه عن الفشل المادّي بالاتّكال على “الانتصار” الرمزيّ. إنّنا بإزاء محاولة استرداد الهيمنة المفقودة عبر القهر السياسي وتعويد اللّبنانيّين على رؤية رموز فئويّة تحتلّ الفضاء العامّ، كالمطار وطريقه سابقاً، وصخرة الروشة الآن.

 

السيطرة على الرموز الوطنيّة وإخضاعها لتأويلات جديدة هي محاولة لإعادة تشكيل الوعي الجماعيّ اللبنانيّ، وطريقة فهم اللبنانيّين لتاريخهم وهويّتهم ومستقبلهم.

مقاومة مجتمعيّة حقيقيّة

عليه تشير الاعتراضات الواسعة التي قوبل بها توجّه “الحزب” هذا، رغم قوّة الضغط الذي يمارسه عبر إعلامه ونشطائه في الفضاء الرقميّ، إلى وجود مقاومة مجتمعيّة حقيقيّة لهذا النوع من الهيمنة الرمزيّة، وعلى نحو يتجاوز الحدود الطائفيّة والسياسيّة التقليديّة، ويندرج في إطار لبنان أعرض وأوسع من لبنان “الحزب”.

في المقابل يأمل “الحزب” إن نجح في فرض هيمنته الرمزيّة على الروشة أن يفتح الباب أمام محاولات مشابهة لاحتلال مساحات ورموز وطنيّة أخرى، تُعينه على إعادة ترميم هيبته التي تضرّرت كثيراً ووصل تهاويها إلى حدود الطلاق العلنيّ مع سلاحه، وإخضاع هذا السلاح لاستراتيجيات المصادرة والنزع والحصار.

ليس من المبالغة القول إنّ ما يجري حول صخرة الروشة أكثر من مجرّد جدل حول صورة أو رمز، بل معركة حقيقيّة على طبيعة لبنان ومستقبله، وعلى توازن القوى فيه. وهو، في الحدّ الأدنى، مؤشّر إلى أنّ من أوصل اللبنانيّين إلى ما وصلوا إليه لم يتعلّم حرفاً من دروس الهزيمة التي لحقت به وأنهكت البلد.

بين صخرة الروشة و”الحزب” خيط واحد: الانتحار. الصخرة التي ارتبطت أيضاً في وجدان البيروتيّين بقفزات يائسة نحو الموت، يمكن أن تتحوّل اليوم إلى مرآة لانتحاريّة “الحزب”، لا أكثر ولا أقلّ.

لم يخلق القفز اليائس من جوارها أبطالاً، ولم تقدّم لنا قفزات “الحزب” إلّا جثّة الوطن.

نديم قطيش -اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا